قصة حقيقية الرجل الشهم - قصص | Stories

الخميس، 18 يناير 2018

قصة حقيقية الرجل الشهم


قصة حقيقية الرجل الشهم
كان أحدهم موظفا في إدارة حكومية بمكة، وكانت له زوجة نكدت عليه عيشته، وله إخوةٌ ينازعونه في أرض ما، وقد وصلت الأمور بينه وبينهم إلى ما يقارب القطيعة.
وخرج ذات صباح من بيته مشيعاً بعباراتٍ مثل السم الزعاف من زوجته، وانطلق إلى الدوام وهو "مصنقر" مثل قنبلة على وشك الانفجار ولكنها بانتظار لمسة واحدة.
وصل المسكين إلى الدوام متأخراً، ولم يجد موقفاً لسيارته؛ فوقف سيارته في موقف المدير الذي لم يصل بعد، وصعد ليدرك التوقيع قبل أن يقفل التحضير بالخط الأحمر ثم يعود ليبحث لسيارته عن موقف آخر.
ولسوء الحظ.. وصل المدير الذي كان منفعلاً أيضاً، وأخذته الغضبة فأخذ ينادي: من هذا الحمار الذي وقف في موقفي؟؟
فما كان من صاحبنا إلا أن نزل من فوق، واتجه نحو المدير، وفرّغ كل طاقته الغضبية الكامنة على هيئة لكمات وركلات وضربات، ومرّغ بكرامة المدير التراب. ثم ركب سيارته ومضى لا يلوي على أحد.
نهض المدير ونفض عنه الغبار والمهانة واتصل بوكيل الوزارة، ولم يأتِ آخر النهار إلا وقد صدر أمر بنقل صاحبنا إلى عرعر.
جاءه الخبر عبر أحد زملائه؛ فكتب استقالته على الفور. ثم أخذ يتأمل في حاله وقال لنفسه:
يا أنا! ما يمنعني من الذهاب إلى عرعر؟ لا مدير زي الناس، ولا زوجة زي الناس، ولا إخوة زي الناس، هل سيكون الوضع هناك أسوأ؟
وقام الرجل فمزّق الاستقالة، وقَبل قرار النقل الذي منحه بضعة أيام قبل أن يباشر في مقر دوامه الجديد.
وذهب من فوره إلى كتابة العدل، وتنازل عن الأرض لأشقائه، وتنازل عن بيته وجعله باسم زوجته، ثم مضى إلى المحكمة وطلّق زوجته، وأخذ ثيابه وانطلق إلى عرعر.
وصل صاحبنا إلى عرعر، وباشر في تلك الإدارة، وتلقاه الزملاء بالترحاب، والمديرُ -لحاجة في نفس يعقوب سنعرفها بعد قليل.
واندمج الرجل بسهولة في محيطه الجديد، وأخذ يتعرف على الناس، وهم هناك أهل سعة في الوقت والصدور وأهل كرم باذخ، وأحبه الناس وأحبوه.
وذات يوم دعاه مدير الإدارة في عرعر، وقال له: أنت. هديةٌ من الله! فقد جئت في وقتك، وقد بلغ بي الملل من هذا المكان مبلغه، وأنا أتحيّن فرصة للعودة إلى الرياض؛ ولم يمنعني من العودة إلا أن موظفي الإدارة كلهم ليس فيهم جامعيٌّ واحد، أما وقد جئتَ؛ فإني مغادرٌ وموصٍ بأن تكون خليفتي في منصبي.
ومرَّت الأسابيع -أو الشهور- بسرعة، وجاءت الموافقة من الوزارة على نقل المدير للرياض، وتعيين صاحبنا في موضعه.
ووجد الرجل نفسه وجيهاً من وجهاء تلك الناحية الصغيرة؛ يجالس أمير المنطقة ووجهاءها ورؤساء الدوائر الحكومية في عرعر، في منازلهم ودوواينهم ومزارعهم، وجاءته ترقيةٌ حسنةٌ زاد معها دخله، وصار يشارك القوم ويدعوهم، ويذبح لهم، ونالَ أرضاً حسنة على هيئة منحة من البلدية التي يجالس أمينها، ونالَ من أحد رفاقه قرضاً فابتنى لنفسه دارةً فاخرة  جعل في فنائها خيمةً يستضيف فيها الناس.
وعقدت الوزارة لقاءً جمعت فيه مديري الإدارات في الرياض، فوجد فيها مديره السابق الذي فوجئ به، ولما حكى له ما جرى معه تعجب المدير، وذهب ما كان في نفسه عليه.
نسيت أن أحدثكم عن زوجته النكدية! فقد كسرها ذلك الطلاق كسراً فظيعاً، وأكبرت في الرجل ما صنعه حين تخلى عن الدار لها وسجلها باسمها؛ فألحت عليه تريد أن تعود إلى عصمته، فأبى إلا بعد شروطٍ شبه تعجيزية، وضعها لكي ترفضها امرأته، فوافقت عليها كلها، فأعادها إلى عصمته.
أما إخوته فقد راجعوا أنفسهم، وتشاوروا قبل أن يتفقوا على ضرورة الصلح مع أخيهم الذي نقم عليهم وزهد فيهم، فأخذوا يسترضونه، ودعوه وذبحوا له ذبيحة وأصلحوا ما بينهم وبينه.
وبعد حين من الدهر، حنّ إلى مكة فعاد إليها صاحب حلال ومال، وراحة بال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق