هزيمة
الشيطان
كان يعيش في قديم الزمان رجل حكيم
اشتهر بين الناس بالتقوى والصلاح حتى عظم شأنه بينهم فاختاروه سلطاناً عليهم وذهبت
سيرته بين الناس مثلاً، فكان يعدل بينهم ويأمرهم بالعدل والتسامح وان يحب بعضهم
بعضاً، وان يساعد الغني منهم الفقير وان يعين القوي الضعيف وان يعلم العالم منهم
الجاهل، وبذلك انتشر الخير في البلاد ورفرفت عليها ظلال السعادة وكان الناس يأتون إليه
من كل مكان فيلقاهم بالبشر والترحاب، وكانت الابتسامة لا تفارق وجهه الصبوح، حتى أحبه
الجميع ولقبوه بالسلطان الحكيم، لأن أحدا لم يكن مثله في مكارم الصفات وحسن الطباع
.
وعلم الشيطان بأمر هذا الإنسان
العادل الحكيم فحزن الشيطان حزناً شديداً وتحدث إلى نفسه قائلاً : لقد غلبني هذا الإنسان
فانا أوسوس للناس بالشر وهو يأمرهم بعمل الخير، وأنا أزين لهم الكذب والغش حتى
يتخاصموا وتدب بينهم العداوة، ولمعت في ذهن الشيطان فكرة خبيثة فرأى أن يسعي إلى
هذا السلطان وهو نائم وينفخ في أذنيه بقوة فيصيبه بالصمم وكان غرض الشيطان من ذلك أن
يصبح السلطان مصاباً بالصمم فإذا جاء الناس ليعرضوا عليه شكواهم وما نزل بهم من
الظلم فلن يستطيع أن يسمعهم .
واستيقظ السلطان فجأة من نومه وبه
ألم شديد في أذنيه، وزاره الأطباء ولكنهم ضربوا أيديهم حسرة وقالوا : لقد أصيب
الرجل الصالح بصمم شديد لا شفاء منه، وجاء في احد الأيام رجل مظلوم يريد أن يشكو
للسلطان ولكن السلطان لم يستطع أن يسمع حديثه، فبكي المظلوم وقال : من الذي سيسمع
قصتي ويأخذ لي بحقي من الظالم ؟ وقام السلطان الصالح إلى الصلاة ثم دعا الله أن
يرشده إلى طريق سليم بالحكم بالعدل في شكوى كل مظلوم وتنفيذاً لأمر الله تعالي : ”
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل ” صدق الله العظيم .
ولمعت في ذهن السلطان فكرة طيبة أثناء
الصلاة وأدرك أنها إلهام من الله، جمع السلطان الناس وأمرهم ألا يلبس ثوباً احمراً
إلا كل إنسان مظلوم حتى يراه السلطان فيدعوه إليه ويذهب عنه أسباب الأحزان والظلم،
وفرح الناس بذلك ووجد كل صاحب مظلمة أو حاجة سبيله إلى عدل السلطان حين يعرفه
بالثوب الأحمر الذي يرتديه، ولما علم الشيطان بذلك ازداد حزنه، وعاد يفكر في حيلة
ليفسد عمل السلطان، فقال في نفسه : سوف اجعل السلطان اعمي حتى لا يري ما يكتبه
المظلوم علي الورق من الشكوى وبالتالي لا يمكنه أن يرفع عنه الظلم .
تسلل الشيطان في الليل وضرب بقوة
علي عيني السلطان الطيب فقام من نومه يصرخ في ذعر من الألم قائلاً : ماذا حدث لي ؟
لقد أصبحت اعمي، واعتكف السلطان في داره وجعل يصلي ليلاً ونهاراً وهو حزين يبكي
ولم يكن بكاؤه من اجل ما أصابه بقدر ألمه لما أصاب المظلومين بعد أن أصبح لا
يسمعهم ولا يراهم، ورأي أن يجمع الناس وان يختاروا سلطاناً غيره إلا أن الناس لم
يرضوا بذلك وتمسكوا به، وجاء كبار الأطباء من كل مكان وأعلنوا بعد الفحص الطويل
الدقيق عجزهم عن علاج السلطان لأنهم كلما صنعوا له علاجاً كان الشيطان يتسلل في
الخفاء ليفسد كل دواء .
واشتدت الحيرة بالناس وكانوا
يتساءلون ماذا نفعل من اجل هذا السلطان الصالح الحكيم، فقال قائل منهم : لم يبق
غير باب الله وهو أعظم الأبواب ولا يتخلي سبحانه عن احد من الصالحين أبدا، بل هو
يشمل كل عباده بالرعاية الإلهية فليس أمامنا إلا الدعاء بقلوب خالصة، واجتمع الناس
في المساجد وظلوا طويلاً يدعون الله سبحانه تعالي لشفاء السلطان، وذات صباح فوجئ
الناس عامة والأطباء خاصة بالسلطان وقد بدأ يري المظلوم ويستمع إليه ويكثر من حمد
الله علي نعمه وفضله وأقام الناس الأفراح وعمهم السرور .
وتولي الشيطان حزيناً مدحوراً وقد
استبد به الهم والغم علي فساد كيده وهزيمة تدبيره، فقد مني بشر هزيمة نالته بسبب اتجاه
الناس إلى الله وإكثارهم من الدعاء، لقد هزمت آيات القرآن كل كيد الشيطان فباب
الله قبلة المؤمنين الصالحين وهذا هو الطريق الأمثل لكل إنسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق