عبــــــــــــيد
الوهـم
الجميع صامت ....ساكن ..... خائف .........مستسلم
....يسيطر الرعبُ على نفوسهم ، ويملأ الخوفُ قلوبَهم....الكل يذهب إلى عمله .....يعود
من عمله .....يجلس في بيته مع أولاده ...يأكل ....يشرب ...يمارس حياته المعتادة ،
لكن دون إحساس بالسعادة أو باللذة أو بالاطمئنان .... فكل أهل القرية ينتظرون في
استسلام عجيب قدرهم المحتوم دون التفكير في مقاومته أو حتى الهروب منه ، والجميع
ينتظر فقْد عزيزٍ عليه في أي لحظة ، أو أن تُزهَق روحُه هو نفسُه بعد تمزيق جسده
وتناثر أشلائه ، وجريان دمه مسفوحا على الأرض ، ولا فائدة من المقاومة لأنه أقوى
من الجميع ، ولا حتى الهرب لأنه أسرع من الجميع .
الأول : هل هناك أمل في القضاء عليه ؟
الثاني : لا أظن ......هذا أسد لا يُهزَمُ
ولا يموت !!! .
ثالث : كيف لا يُهزم ولا يموت ؟! أليس
حيوانا كباقي الحيوانات ؟ ... ألا يعتريه الضعف ؟ ألا يصيبه المرض ؟... أليس له
أجل محدود يوم يأتيه لن يستطيع أن يهرب منه ؟
الأول : إنه مخلوق فريد ...لا يصيبه ما يصيب
غيره من الحيوانات ...ألا تراه يهاجمنا من سنوات عديدة دون كلل أو ملل ؟ لم نلحظ
عليه ضعفا رغم مرور السنين ....لا تزيده الأيام إلا قوة .... إن المرض لا يعرف
طريقه إليه أبدا .... ربما كان المرضُ يخاف منه ....ولا يجرؤ على الاقتراب من جسده
....مازال جلده مشدودا كجلد الشباب .....مازالت حيويته دافقة لا يعتريها فتور ....
إن مخالبه تنشب في الأجساد دون جهد منه أو عناء ....وإذا ما غرز أنيابَه في جسد
ضحيته ليأكله ....التهم لحمه كما يلتهم أحدنا قطعة البسكويت .... إنه ضد المرض وضد
الموت ....ضد التعب وضد الشيخوخة ....هو مخلوق أبدي لا فكاك لنا منه ، ولا قدرة
لنا عليه .... وحسبنا كي ننجو منه أن نقدم له بعضا منا كي يترك الباقين .
الثالث : تتحدث عنه كأنه إلهٌ أو شبه إله ....
ونسيت أنه مخلوق كباقي المخلوقات ....يهاجم الفريسة لأنها تخافه وتفر منه ...لم لا
نجرب أن نجتمع عليه ونقاومه ....بالتأكيد سيموت منا البعض ، لكن المؤكد أننا
بهجومنا مجتمعين عليه ، ومتحدين في هدفنا جميعا سنقضي عليه ونتخلص منه إلا الأبد .
الثاني بسخرية شديدة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههاااااااااي
....
نجتمع ونقضي عليه ؟؟؟ !!!
أأنت مجنون ؟؟؟ !!!
هكذا أنت دائما تريد أن توردنا المهالك
بطَيْشِك وقلة خبرتك....لماذا لا تذهب إليه وحدك ؟ وترينا قوتك وشجاعتك ؟!
الأول : كان غيرك أشطر ....... لقد حاول
قبلك من ظنوا مثل ظنك ، وأصابهم مثل ما يصيبنا منه وأشد .
الثالث : عجيب أن هذا الحيوان يجفل ممن
يُظهر له قرنا أو يرفع له خرطوما ، أو يكشر له عن ناب ...أما رأيتم قطعان الجاموس
كيف اجتمعت عليه ، ولم يجد بدا من الفرار ؟ هل صرنا أقل منهم ؟
وهكذا كان الحوار يدور دائما بين أبناء
القرية ......يهاجمهم الأسد كل أسبوع مرة .... ويفترس منهم مَنْ يفترس ، وقد
استسلموا له ، وغلب عليهم استحالة الانتصار عليه أو الهرب منه ، ورأوا أن يقدموا
له بعضا منهم مقابل أن يترك الباقي ....يُجْرون القرعة فيما بينهم ، ومن تصيبه
القرعة يقدمونه له راضين ، ومعتقدين أن التضحية ببعضهم فيه النجاة لباقيهم.........
هو ظلم أخف من ظلم ..........وضرر أقل من ضرر مقابل حياة أو شبه حياة يعيشونها حتى
يأتيهم أجلهم المحتوم فيُدفنون في باطن الأرض أو في بطن الأسد ، وإذا ما تمرد
بعضهم على ذلك سخروا منه واتهموه في عقله ، ونصحه المتعالمون منهم بالتعقل والتزام
الحكمة حتى لا يصيبهم الأذى جراء طيشه .
مر على ذلك سنوات طويلة حتى غلب على أكثرهم
أن ذلك هي طبيعة الحياة وسنة الكون ، وأن الاستسلام هو عين العقل وعين الحكمة ،
إلى أن أتى يوم لم يأت فيه الأسد في موعده ....ثم مرَّ موعدٌ ، وموعد ثانٍ ، فثالث
، والجميع يتعجب ...لِمَ لمْ يأت الأسد ؟ هل غضب منا ؟ هل لا نستحق شرف افتراسه له
؟ أم وجد لحوما أخرى خيرا من لحوم أجسادنا يفترسها ؟
الثالث : سأذهب إلى الغابة لأرى لِمَ لمْ
يأت الأسد إلى قريتنا.
عاد الرجل من الغابة وهو يهتف فرحا ....لقد
مات الأسد .....مات الأسد .... انتهت مشكلتنا إلى الأبد ......من الآن فصاعدا
سنعيش في سلام واطمئنان .
نظروا إليه جميعا في استغراب واستنكار ......
وقالوا جميعا بصوت واحد : الأسد لا يموت ....لاشك أنك مخطئ أو توهمت ما لا حقيقة
له ....أنت دائما تقول ما تتمنى لا ما هو واقع .
الثالث : أقسم لكم لقد مات الأسد ....لقد
خرجت روحه من جسده ....خرجت روحه ولا عودة لها مرة أخرى إلى ذلك الجسد الذي طالما
تغذى على أجسادنا وولغ في دمائنا .
قومه : نحن لا نصدقك .....إذا كان قد مات
كما تقول ، فأين جثمانه ؟
الثالث : إذن سأذهب إلى الغابة وسآتيكم
بجثمانه لتروه جثة هامدة لا حراك بها ، ولا قدرة .
ذهب الثالث إلى الغابة ، وربط جثة الأسد
الميت في حبل متين ، ثم جرها متجها نحو قريته....نظر الناس إليه وهو قادم إليه ،
واستغربوا منه كيف يجر الأسد دون مقاومة منه أو هجوم عليه .....
وما إن اقترب منهم حتى قال لهم : ها هي جثة
الأسد هامدة لا حراك بها ...نظروا باستغراب شديد وقالوا : وما أدراك أنها جثة
هامدة ؟ ...ما أدراك أنه يغط في نوم عميق .... وما إن يصحو من نومه حتى يثور ثورة
لن تبقي منا أحدا .
وبينما يتناقشون فيما بينهم إذ هبت نسمة
هواء لطيفة ، فاهتز شعر الأسد الميت تمايلا مع الريح ، فصاحوا جميعا مذعورين .....هاهو
قد استيقظ ....ألم نقل لك ؟ ....وفر الجميع مذعورين لا يلوي أحد منهم على شيء ،
ولا شيء في عقولهم غير أمر واحد ............الفرار...... الفرار ............ حتى
لا يفترسهم الأسد
الكاتب : مجدي مغيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق