روى الأجداد.. أنَّ شتاءً بارداً
جدَّاً حلَّ بلداً في أحد السِّنين حتَّى تراكمت الثُّلوج في البساتين, و غطَّت
الأشجار وأسطحة المنازل و الطُّرقات, و قبع النَّاس في مساكنهم لم يخرجوا؛ طلباً
للدِّفء, و أوت الحيوانات إلى أوكارها و أعشاشها..
بعد أن بحثت عن طعامٍ لم تجده, و
أضرَّ البرد الشَّديد بالطُّيور, فلم تعد تقدر على الطَّيران. و كان المحسنون
الطَّيِّبون يتنبهون إلى ذلك فيقدِّمون الطَّعام للعصافير الصَّغيرة الَّتي لا
تحتمل البرد, فينثرون أمامها الحبوب أو فتات الخبز.. فتتجمع لتأكل و تعود إلى
أعشاشها, و قد اعتادت على ما يصنعه المحسنون كلَّ يومٍ فتبتهج, و تتجمَّع قبل
حضورهم, و تأنس بهم, و ترفرف فوق رؤوسهم كأنَّها تشكرهم بما يفعلون.
تنبَّه أحد الصَّيادين الأشقياء
إلى عمل المحسنين, و رأى فيه فرصةً له كي يستغلَّها و يصطاد العصافير المسكينة قبل
حضور المحسنين بطعامهم, فحضر يوماً و معه حبوب, أخذ ينثرها للطُّيور التي وثقت به,
و جاءت إليه كعادتها مع المحسنين لتلتقطها .. و سرعان ما راح الشقيّ يقبض عليها
الواحد بعد الآخر, و يضعها في جعبته التي امتلأت من العصافير الجائعة.
تساءلت العصافير و هي في ظلمة
الجعبة: كيف تغيَّر النَّاس؟ و لماذا تغيَّروا؟ و ما الذي غيَّرهم؟ مع أننا لم
نتغير معهم, و ما زلنا نغرد لهم بأصواتنا الشَّجية, فقال أحدهم لعلَّ هذا الرَّجل
أراد أن يدفئنا من البرد, و يحافظ علينا, و أخذ كلُّ عصفورٍ يعطي رأيه بهذا الحدث..
و كلُّهم يحسن الظَّنَّ بالرَّجل.
وصل الرَّجل إلى داره, و فتح
جعبته في غرفةٍ صغيرةٍ, أحكم إقفال بابها و نوافذها, و راح يذبح العصافير واحداً
بعد الآخر.. و كانت دموعه تسيل على خدَّيه من البرد الشَّديد, يمني نفسه بوجبةٍ
دسمةٍ شهيَّةٍ من لحوم هذه المخلوقات الصَّغيرة الوديعة.
قال عصفورٌ لأخيه الكبير: انظر ما
أرحم هذا الرَّجل, إنَّه يبكي شفقةً علينا, فقال له أخوه: لا تنظر إلى دموعه
الَّتي تسيل, و انظر إلى ما تفعل يداه.. ألم تسمع بدموع التماسيح يا أخي؟! إنَّها
تأكل فريستها و عيونها تدمع.
الحكمة:
لا تنظروا إلى فصاحة المتكلم مهما
كان ولا إلى وعوده، ولا إلى دغدغة مشاعر الجماهير.
وانظروا إلى أفعاله، وكما قال
العصفور الذكي:
" لا تنظر إلى دموع عينيه،
ولكن انظر إلى فعل يديه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق